الأربعاء، 13 مارس 2013

إرتفاع إنتاج الذهب


http://static.gold-prices-today.com/wp-content/uploads/2012/09/s3.reutersmedia.net_-450x240.jpeg



لم يتصور أحد أن موجة صعود أسعار الذهب ستستمرت 12 عام. فقد إستمتعنا برؤيتها تنضج من 2001، و لكن رؤية الدينامكة المتغيرة لأسس منظومة الذهب كانت ممتعة أيضاً، و خاصة رؤية كيف نما جانب العرض علي الذهب رداً علي الطلب المتزايد.
و للذهب ثلاثة مصادر رئيسية: إستخراج المعدن الثمين من باطن الأرض و مبيعات البنوك المركزية و إعادة التدوير. و لم تعد البنوك المركزية تبيع ذهباً بعدما لاحظت الحكومات حماقة قرارتها. و المثير أن البنوك المركزية أوقفت بيعها للذهب فحسب، و لكنها اصبحت مشتري صافي للذهب.
فطبقاً لأخر منشورات إتجاهات الطلب لمجلس الذهب العالمي التي جمعاتها رويترز، إشترت البنوك المركزية 535 طن متري من الذهب عام 2012، و هو مستوي لم نره من البنوك المركزية منذ 50 عاماً. و ما دعم هذه الحقيقة، أن إتفاقية الذهب للبنوك المركزية (Central Bank Gold Agreement – CBGA) الأخيرة لم تبيع البنوك شيئاً العام الماضي، ماعدا 5،5 طن باعتهم ألمانيا للسك.
فمنذ أكثر من 20 عاماً، و البنوك المركزية تبيع الذهب بنسبة 20% من إجمالي العرض. و الآن، بدلاً من أن تكون مصدراً رئيسياً للذهب، أصبحت البنوك المركزية مستهلكاً يبتلع الذهب، فمثلت 12% من نسبة الطلب علي الذهب عام 2012.
و إعادة تدوير الذهب كانت تمثل حوالي ربع العرض العالمي للذهب، و لكن منذ 2008، و مثلت إعادة التدوير حوالي 40% من العرض.
و كانت أسعار الذهب المرتفعة دافعاً لزيادة حجم إعادة التدوير، و لكنها ليست صدفة أن ترتفع نسبة إعادة تدوير مع ذروة الأزمة الإقتصادية في 2008. فالعديد في ظل هذا الكساد الإقتصادي أضطروا لبيع ذهبهم لسداد الفواتير و إعالة عائلاتهم.
و علي الرغم من خروج معظم دول العالم من الكساد الإقتصادي، فحافظ الضعف في أداء الإقتصاد و عدم الإستقرار السياسي علي نشاط الباعة الجائلين و تجار الخردة. فطبقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي، ظلت إعادة التدوير فوق مستوي 1600 طن متري و أقل قليلاً من نسبة إعادة التدويرعام 2009 التاريخية.
سدت حركة إعادة التدوير الفراغ الذي خلفته البنوك المركزية، إلا أن التخوف من فقدان الدافعين الرئيسيين لهذه الحركة. أولهما، أن بريق الأسعار المرتفعة سيخبو حتماً مع الوقت، ليس لأن الأسعار ستنخفض، بل لأن العامة سيعتادون علي إرتفاع أسعار الذهب، و إذا ظلت الأسعار مرتفعة لفترة كافية، فالثقة المتزايدة في المعدن الثمين ستدفع الناس للإحتفاظ بالذهب كمخزن للقيمة. و الدافع الثاني: البيع اليائس، هو دافع مؤقت. فبيع الحلي و المجوهرات لضوائق مالية سيصل لنقطة ما و سينتهي حتماً، لأن ما يستطيع/يريد أن يبيعه الناس من الذهب سينتهي حتماً عاجلاً أم آجلاً. و إذا وصلنا لهذه النقطة، فستسقط مستويات إعادة تدوير لذهب مرة أخري.
و عندما تنتهي موجة إعادة التدوير، سيصبح المسؤول الأول عن إمداد السوق بالذهب حامل عبء أكبر من جانب الطلب. و لحسن الحظ، إنتاج مناجم الذهب معتاد علي حمل مثل هذا العبء. و بالنظر في الرسم البياني التالي، سنري أن مناجم الذهب رفعت إنتاجها خلال السنوات الأخيرة.
إرتفاع إنتاج الذهب
إرتفاع إنتاج الذهب
و البيانات المستخدمة في هذا الرسم من أحدث دراسات هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية (USGS) و فيها مراجعة علي إنتاج 2011 و تقدير لإنتاج 2012.
فتعدين و إستخراج الذهب يمثل تاريخياً ثلثي نسبة العرض العالمي.
و الأكثر وضوحاً في هذا الرسم هو الوقت الذي أمضاه منتجين الذهب للتجاوب مع إرتفاع الأسعار و الطلب علي الذهب 12 سنة (متوسط سعر اليوم السنوي ممثل علي الرسم بالخط الأحمر). فزادة الإنتاج بدأت في الصعود لأربع سنوات فحسب حتي 2012.
و العجيب أن إنتاج الذهب كان ينخفض لأول 7 سنوات من موجة صعود أسعار الذهب. فعلي الرغم من تضاعف أسعار الذهب لأكثر من ثلاث أضعاف عام 2008، فالإنتاج إنخفض بأكثر من 11%. فكان إنتاج مناجم الذهب عام 2008، في ذروة الطلب علي المعدن الثمين، أقل 280 طن متري (9 مليون أوقية) من إنتاج عام 2001. فليس غريباً أن ترتفع الأسعار هذا العام لمستويات جنونية.
و لإستعاب أسباب هذا الهبوط في إنتاج الذهب، يجب إلقاء نظرة من جانب دورة إستكشاف الذهب. مع الأخذ في الإعتبار أن موجة صعود الذهب الأخيرة تكونت في أعتاب موجة إنخفاض عالمية قاسية في أسعار الذهب إستمرت 20 عاماً.
ففي النصف الأول من هذه الموجة، إزدهرت شركات التنقيب و تعدين الذهب، علي الرغم من هبوط الأسعار في هذا الوقت، إلا أن سعر أوقية الذهب بأكثر من 500 دولار لا يزال قريباً. و توقع الأسعار بالإرتفاع مجدداً كان سبباً لضخ الأموال في مشاريع التنقيب عن الذهب.
هذه الأعمال المبكرة كانت السبب في ظهور الجيل الجديد من المناجم و إكتشافات قيمة عديدة، و التي حسنت البنية التحتية لصناعة الذهب بشكل كبير. و لكن الأسعار لم ترتفع، و بحلول التسعينات، أرهق هذا الجهد المستمر شركات تعدين الذهب.
و بدا هذا الإرهاق واضحاً علي جبهة الإسكشاف، فطالما إستمرت موجة هبوط أسعار الذهب، بات واضحاً أن تعدين الذهب أصبح قضية خاسرة، و وسم المستثمرين و شركات التعدين علي حد سواء عمليات إستكشاف الذهب بأنها مضيعة للمال في ظل الإنخفاض المستمر لأسعار الذهب. و الغريب أننا لم نلمس هذا الإرهاق في إنتاج الذهب، حيث زاد في التسعينات 18%!
فهذه الحركة من قلة الإكتشافات و إرتفاع الإنتاج هي مثال علي تأخر تأثير دورة الإستكشاف. فكما هي طبيعة الحال في مجال التعدين، نجاح اليوم هو ثمار جهد سنوات طويلة، فرواسب الذهب بحجم معقول تأخذ ما يزيد عن 10 سنوات منذ إكتشافها لتصبح منجم ذهب متكامل و قادر علي الإنتاج.
لذا، فنمو الإنتاج في التسعينات هو نتيجة إكتمال دورة إكتشاف سابقة قوية. فالإكتشافات الناجحة في أواخر السبعينات و الثمنينات سبباً لهذا النمو في الإنتاج. و علي الرغم من قلة عمليات التنقيب في التسعينات، إلا أن الإكتشافات القيمة السابقة غطت هذه الصناعة.
و لكن ضعف حركة التنقيب سيؤثر حتماً علي صناعة الذهب لاحقاً. و هذا ما حدث فعلاً في الجزء الأول من موجة صعود الذهب الحالية. فبعد عدة سنوات من إهمال الإنفاق علي رأس المال، تدهورت البنية التحتية. و ضعف إنتاج الذهب نتيجة قلة الإكتشافات القيمة في التسعينات و لم يستطع منتجين الذهب إيجاد مناجم بديلة للمناجم المستنفذة. و لذلك، كانت قصة التعدين الحزينة من 2001 إلي 2008 نتيجة الأداء الضعيف لحركة إستكشاف الذهب في التسعينات.
و بشرت موجة صعود أسعار الذهب في 2001 بدورة إستكشاف جديدة قوية. فالمئات من شركات التنقيب الجديدة تبحث عن الذهب. فكل من الشركات القديمة و هذه الشركات الجديدة إستطاع توفير رؤوس الأموال كبيرة لإسكشاف الذهب. و نتجت أعمالهم عن إكتشافات كبيرة ستمد إنتاج الجيل الجديد من المناجم.
و قادت هذه الإكتشافات، سواء كانت في أراضي مهجورة أو أراضي بكر، حركة نمو جديدة إستطاعت أخيراً تجاوز نضوب المناجم عام 2009. و بعد سنتين من النمو، تجاوز إنتاج 2011 قيمة إنتاج عام 2001. فهذه الدورة من الإسكشافية أخذت 10 سنوات لتحصد نتائجها.
و ليس هذا فحسب، فإرتفاع الإنتاج بنسبة 18% خلال الأربع سنوات الماضية سجل أرقام قياسية جديدة. و علي الرغم من أن مستوي الإنتاج عام 2012 الذي وصل لمستوي 2700 طن متري، يجب دراسته داخل سياقه.
فإذا أدرجت تقديرات هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية لعام 2012، سيصبح متوسط الإنتاج خلال هذه الموجة الصعودية لأسعار الذهب 2494 طن متري، و هو نفس المتوسط في الخمس سنوات السابقة لموجة الصعود بشكل مستفز. ففي هذا السياق، لم تنتج موجة الصعود الحالية نمواً في الإنتاج بعد!
و بنظرة أعم، إرتفع إجمالي إنتاج الذهب العالمي بنسبة 5،5% عن عام 2001. و لكن إرتفاع الطلب علي الذهب و الزيادة الأكثر من 500% في نفس الفترة، تبدو نسبة النمو في إنتاج الذهب ضعيفة جداً. و لذلك سنطرح سؤالاً، هل تستطيع شركات التعدين إمداد السوق بنسبة نمو تتناسب مع نمو الطلب العالمي؟ للأسف، أقر بأن الإجابة ’لا‘ إذا ظلت الأسعار الحالية للذهب. و أخشي القول بأن الشركات ستواجه مشكلة في الحفاظ علي نفس مستوي الإنتاج لفترة أطول دون إرتفاع أسعار الذهب.
فالأمر بسيط، الذهب لا يمكن إستبداله، و الثمار القريبة لم تعد موجودة. لذا، فمنتجين الذهب مضطرين للذهب صعب الإستخراج و الإستكشاف من الخامات الأقل جودة في ظروف جيو-سياسية سيئة و سوق أكثر بخلاً. تكلفة تعدين الذهب المباشرة و الغير مباشرة تقفز بجنون، و تواجه حالياً شركات التعدين صعوبات شتي في توفير رؤوس الأموال.
فقد رأينا بطء في معدل النمو عام 2012 مقارنة بالعام السابق (1،5% – هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، 0،4% – مجلس الذهب العالمي) يعتقد بعض الخبراء أننا سنري إنخفاضاً في إنتاج مناجم الذهب عام 2013. و يعتقد سكوت رايت، الباحث الإقتصادي بمركز زيل للأبحاث، أن شركات الذهب عليها تبحث عن دافع مالي أكبر من الدافع الحالي إذا أرادت زيادة الإنتاج أو الحفاظ علي نفس مستوي الإنتاج. و هذا إتجاه صعودي للذهب.
و في مركز زيل، يعتقد الباحثون أن موجة صعود الذهب مازلت باقية. و أن الهيكل الأساسي لصناعة الذهب مازال بحالة ممتازة. فلم يري أي من الباحثين شيئاً بعد من جانب الطلب. و بزيادة تضخم العملات الورقية، فلا بد للمستثمرين من أن يحموا رؤوس أموالهم بالذهب.
و الخلاصة، تغيرت دينامكية سلسلة إمداد الذهب خلال موجة صعود أسعار الذهب. فرأينا فقدان كامل لمزود رئيسي للذهب (البنوك المركزية) و نمو كبير لمزود آخر (إعادة التدوير). و أصبح لمزود الذهب الرئيسي (التعدين) قصة بين تيارين خلال 12 عاماً.
و أخر إتجاه لتيار تعدين الذهب هو إتجاه للنمو. و وصل هذا المصدر لأعلي مستوياته عام 2012. و من المؤكد أن إرتفاع أسعار الذهب ستبقي علي شركات التعدين مهتمة بالبحث عن مناجم جديدة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق